تراجيديا سيدة القمر
في رحم المتون المؤبلس
تتعرى الحقيقة من ركام
المين اللاهوتي وغبار المتاهات ؛
وبين وجودنا ووأد الحفريات
طفحت الكأس بنبيذها المـــر؛
لما توضأت مملَكة نوميديا
بالدم والخطايا والوصايا المصنفات .
وأنا الغريب في غربة الروح
سأفهم يوما ما أن وجودي عبث ؛
وشبيهي كودو في مرايا الذات
قد يأتي أو لا يأتي ؛
ليخبرنا عمن انهار بهم
سقف الخيانات ....
ماء الذهب أو حبر اللهب
يبتسم فوق المكتوب ؛
ويسمَّى مجازا مجدا
أو صنفا من البطولات .
يا أنايا المنسي في ركام الكيد
ليست في السلب، في القهر ،في النهب
يد للقدر؛
وليست في مملكة الحب سطوة إلا للوتر.
وحدها معارك المبادئ
تبني معسكرها ألقا من جوهر الوجود ؛
وبعيدا عنا قريبا من ذاكرة لا تشيخ
خُطَّ الحدث كعريٍٍٍ ميتافيزيقي
على إيقاع النهم السيكولوجي ؛
القادم من صحراء الجوع
إلى مراعي الجبل المقدس .
جيوش البدو أحرقت
تاريخا كتب في بيدْرُوس
بصمغ الهزيمة والشتات .
فمن أوصى لب العنب
ألاَّ يسكب للكروم زق الانتماء؟
من حرض الموج أن يثور
في وجه البحر والسماء؟
من علم الجبل أن يخون سيدة النساء؟
من أوصى الشباك أن تلتف حول
جيد العناديل ساعة الغناء؟
من نفخ في بطن الريح شرا؛
ليسقط آدم كسيحا من العلياء .
ديهيا صوت الجبل المتمرد
زينة ،تيهيا ، الداهية، الحسناء، الهادرة
الفارسة ، النادرة
أرقهتها بيارق السواد
فلم تجد حين هبت الجِرْبِياء وقتا للحناء.
عذرا ماسينيسا زرقاء الطود
لم تمت فينا، ومن أجل الهوية
نحتسي نخب الذين قضوا عزا دنان السِّباء.
عذرا فلا وقت للتثريب
لا وقت للتغريب ، للتخريب ؛
فماذا تبقى فينا أيها الأطلس
الشاهد والشهادة
وما الوامق وطنا بالنسَّاء؟
ماذا تبقى من تاريخ
بحد النصال استأصلوه ؛
غير اسم مؤسطر بالكهنوت؟
ماذا تبقى من مجدك ماسينيسا
غير ملِكَةٍ وقفت في وجه الريح
تصهل بزفرة الذّمَّاء؛
لقبها النواعب بالكاهنة النكراء،
ليعبر المورسكيون وبنو مشعل
إلى حقول البرتقال والقمح
لاغتيال الشمس والضياء ؟
عذرا الخيانة بعدها بكّتْ يد الريف
استنجد الإبليون بالخريف ،
وقد خلفوا الجذب ، نزعوا للمغنى الخصيب .؟
فهل نحن خير أمة أخرجت للناس
ودم الثكالى مهرق من الأوراس
إلى قاع فاس؟
لا وقت للتثريب وقد تركت يا أنايا
خلفي الآلهة المزيفة تناقش الرب
عن مصير مياه الفرات
وعن خرائط تحترق في خريف الربيع
تحت رتب العهر والقساوسة والبأساء .
فيا أيتها الشعوب التي سرقوا ذاكرتها
وأحلامها ؛ أحرقوا أوراقها وكتبها،
صادروا هويتها وصوتها
اصعدي من غبار الأساطير
وقفي على عقارب التوازن والحوباء ؛
أعيدي للأرض ذاكرتها
فلم تسكن فينا بعد المدينة
والدساكر مأوى الفقراء...
لم نهبش صدر المهارق القديمة
ولغز الحدود ، عن كنه الوجود
الممهور بالفوضى تارة
وتارة بسيف الإبادة..
هو الوهم ، هو الهم ،هو الجرم،
هو السم الذي يدبُّ
في هذه الأرض اللا أرض ،
التي تأبط خصرها
عابرون أو فاتحون صدر الانتماء
للسيف والرصاص والهباء ..
لا وقت للتثريب
افرنقعوا إن صبوتم لدفر ..ونأيتم عن شرف ،
ففي زمن تعرى فيه
جسدي من قماطه الأول
ومن شغف اللبن...
دعوني سأعانق حرفي وطنا
حين ضاع الوطن ،
علها تبني قلاعها المدينة
إذا ضاجعها الوجد؛
فيغزل الشعراء والغاوون
قصائدهم التي لم تكتب بعد..
دعوني فديهيا التي كان
عرشها على فرسها أفقا
وشمت برمحها شمس الجبال
وأسندت رأسها للمحيط
فلم تجد متسعا لبيعة الرمال ونشوة الثمال....
لم تكن وحدها هدية المذابح
وعلى هذه البسيطة
دم ، هدم ، عدم ، إعدام ،إبادة ، خدم
ومشانق باسم الرب كالمراجح...
خسست أيها اليوم الشَئِز
تغير مجرى النهر .. وأدرك المدن
العقم ووباء الهتر
وخالد بن يزيد باع الأمومة
لابن النعمان والعرق دساس
لم ينفعها ألف متراس ومتراس
ارتجت الأرض وانتحر سحر الخبر
وأرعد صوت سيدة القمر؛
أنْخِيدْوانا (منبوذة جرباء ووجهها هباء)
أول شاعرة تجاهلتها الصحف والأنباء
وديهيا بعدها لم تعرف ربا
ليعبدها إلا ظهر الأزغب
وعشيرةً نذرت روحها
للتراب والانتساب إلى شموخ أمْيَاسْ (الفهد)
أمام المد الدموي القادم من الشرق
ومن إبط معاوية والرِّماء .
وحدها حروف التيفيناغ
توحد بقايا صورها والأشلاء
وحدها صخرة الريف لم تكسر
ولم تصب بفقدان الذاكرة والنسيان
وحين تتغلغل فينا أمشاج المؤامرة
ترد الجبال : يا رالا بويا ،
هذه الخيانة المزمنة
طقس وصناعة عربية .
الجديدة