recent
أخبار ساخنة

مغرب الثقافات (سوق الغزل ) مدينة مراكش٠..... للأستاذة. للاايمان الشباني

مغرب الثقافات (سوق الغزل ) مدينة مراكش٠

في مغرب الثقافات، لم يكن المكان عبارة عن جدران أو سقوف من خشب معقود وزليج مصقول، وإنما قد كان أسطورة صامتة تعيش بين الأزقة، بين الأنفاس المترددة، بين الحكايات التي لم تُروَ بعد. كنت أسكن على مقربة منه، أراه كل يوم، أسمع نبضه ولا ألمسه، كأن المسافة بيني وبينه لم تكن مجرد خطوات، بل كانت حجابًا من رهبة، من تصوّرات غُرسَت فينا كأنها قوانين، لا نجرؤ على كسرها. في وعي الطفولة، كان ذاك الفضاء حكرًا على فئة لم أكن أنتمي إليها، فئة بدت لنا كما لو أنها تعرف سرّ الدخول، سرّ العبور، ونحن خارج السور نحدق من بعيد ونرتجف من الاقتراب. لم يكن الخوف من المكان ذاته، بل من فك الشفرة التي تُدخلك إليه، من الخروج عن الطاعة الصامتة التي تربينا عليها، طاعة تُقصيك عن عوالم لا تملك فيها سلطة النظر.
لكن الزمن لا يظل ساكنًا، ينضج الإنسان كما تنضج الأسئلة في داخله، وها أنا أتجاوز الثلاثين، وأكتشف أن ذاك المكان لم يكن محرمًا بل مؤجلاً، مؤجلاً لحظة أن يكون لي وعيٌ قادر على احتواء معناه. دخلته، لا كغريبة تتطفل على التاريخ، بل كابنة تعود لبيت كانت تنظر إليه من النافذة طويلاً دون أن تجرؤ على طرق بابه. حين وطأت قدماي بلاطه البارد، شعرت أنني أوقظ ذاكرة لم تُنسَ، أنني أحرر طفولتي من قيودها، وأمنحها فرصة الحكي، ليس حكيًا عابرًا، بل حكيًا يُستعاد ويُروى ويُحيا من جديد.
كلما عدت إلى المدينة القديمة، أعبر إليه كما تعبر الروح إلى لحظاتها الأولى، كأن المكان لم يتغير، أو كأنني أنا التي تغيّرت لأصبح قادرة على سماعه، على إدراك طيفي في زواياه، على مصافحة ظلّي الذي تركته هناك منذ سنين. لم يعد المكان ذا فئة، بل صار ذا ذاكرة، ذا حنين، ذا حضور كثيف لا يُقاس بالزمن، بل بالشعور الذي يملؤك حين تدخل، بالشجن الذي يسري فيك كأنك تلمس طفولتك وتعتذر لها عن كل تلك الأعوام التي أُجبرت فيها على أن تظل خلف الباب
إنها الثقافة التي كنا نحتاج أن نعيشها، لا لنكون من نخبها، بل لنحملها بأمانة إلى من سيأتي بعدنا، كي لا يحكمهم الخوف مما لا يفهمونه، بل يدفعهم الفضول لاكتشاف ما يجعلهم أكثر قربًا من ذواتهم، من جذورهم، من روايتهم الخاصة، التي لا تُكتب بالحبر فقط، بل تُحفر في الذاكرة، وتُروى بالحب.

للاإيمان الشباني
google-playkhamsatmostaqltradent