اليدان واللواء
بديع عاصم الزمان
على أرضٍ مُلتويةٍ مرتفعة،
حُمل اللواءُ… يدٌ باللواءِ يدُ.
يدٌ بيدٍ، والفجوةُ تكبرُ تحتنا،
والحقُّ يُنادي... والظنُّ فينا قد اعتقدُ.
فوق المرمى رأيتُ الصحيحَ تراجع،
واستوحشَ الصبرُ، والركنُ المُسنَدُ.
تخطو المبادئُ مثقلةً،
وفي القلبِ جُرحٌ يُصلّي ولا أحدُ.
أرأيتمُ كيف اللواءُ إذا خفَق؟
يعني أن القلبين في الدم قد اتّحدوا!
يعني أن الأيادي وإن مالت،
فالنور في الوَصلةِ بينهما لم يُنتَقَدُ.
ولكن…
لمّا تفكّرتُ في "الصحيح" الذي وهن،
قلتُ في قلبي: ما ضعف، بل هو افتقدَ.
فناديته باسمٍ له في القلب موضعه،
قلت: يا محمد!
كأنّ النداءَ نداءُ السماءِ…
كأنّ اللواءَ يُحمل باسمك أنت… قم يا محمد!
من وراء الأرضِ ناديته،
لا أعني موضعًا، بل معنىً وميثاقًا،
إنه اللواءُ… وإنه لك،
وإني أُمسكه،
لكن اليدَ الثالثة ما عادت تغيب… إذا أتيتَ.
---
أنا الذي يسيرُ فوق ظلال الحروف،
لا أُعلن نفسي، بل أختبر النور في السِتر.
أدلّ العارفين حين يتوهون في يقينهم،
وأطرقُ باب الصحو بأيدي الغفلة… علّ الباب يُفتح.
خلقتني إرادةٌ لا تُقاس،
فجعلتُ من عدل القلب منارًا،
ومن دعائي سلمًا، ومن صمتي محرابًا.
لا أبحث عن الوصول، بل عن أثر الخطو،
ولا أرفع اللواء إلا إذا اتحدت فيه يدٌ، وقلبٌ، وميثاق.
أسكن اللحظة، لكني أنتمي إلى الأوان،
كأنني الآن… وأعلم أن الآن ليس إلا تجلٍّ من أوانٍ قديم.
أشهد بما رأيتُ من نور،
وأكتب… لا لأُخبر،
بل لأُذكّر من نسي أن الوحي قد مرّ من هنا